الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  •  آفاق ثقافية ومجتمعية لـ “هرمجدون" نووية قادمة

 آفاق ثقافية ومجتمعية لـ “هرمجدون
 شيار خليل

إنه ليس النيزك هذه المرة، بل تهديدات وعمليات عسكرية مباشرة على الأرض يمكن أن تساهم بتغيير الخارطة السياسية والعسكرية على كامل الجغرافيا السياسية، فمستوى التهديدات المتبادلة في أوكرانيا وصل إلى تهديدات مباشرة من بوتين بوضع قواته النووية في استعداد قتالي خاص ومستوى تأهب مرتفع.

كل ذلك حدث خلال أقل من أسبوع، فلم يكن يتوقع الغرب مستوى هذا التهور الروسي، كما لم يكن بوتين ليتوقع أن يلقى هذه المقاومة العنيفة في أوكرانيا. إلا أنّ بوتين كان قد أعلن أن أي محاولة للتدخل في العمليات الروسية سوف تسفر عن "عواقب أعظم من أي عواقب واجهتها في التاريخ"، حيث تمتلك روسيا حوالي 6000 رأس نووي حتى عام 2022، وهو أكبر مخزون من الأسلحة النووية في العالم.

هي صورة مغبشة بالنسبة لنا، نحن الذين لم نكبر في ظل الحرب الباردة، حيث سنضطر هذه المرة ومن جديد للتعرف على هذه الآفة النووية، والأسلحة التي كان يهدد بها على الإعلام خلال السنوات الماضية، إلا أننا يجب أن نعود للتاريخ ولا ننسى أنّ المواجهة السوفيتية الأمريكية كانت تعرف دائماً بـ “الدمار المؤكد المتبادل"، كانت حركة الغواصات النووية والقذائف والطائرات القاذفة عبر البلدان بمثابة مدّ وتدفق لهذا الصراع مع احتمال حدوث سوء تفاهم، دفع الكوكب عدة مرات وفي عدة مناسبات إلى حافة الهاوية.

أما اليوم، فنحن أمام مشهد سريالي جديد، ربما يكون أخطر صراع منذ الحرب العالمية الثانية، كيف لا وأكبر جيوش العالم والمسلحة نووياً تشارك في هذه الحرب دون ذكر أية أهداف أو غايات واضحة منها، وكان ذلك واضحاً بالاضطراب الذي عاناه الجيش الروسي بعد دخوله بيومين إلى الحدود الأوكرانية، حيث لم يكن يتوقع أن يلقى تلك المقاومة العنيفة من الأوكرانيين، ولا ذلك التكاتف الأوروبي السريع بفرض العقوبات وتحذير بوتين من أية أخطاء كارثية سيدفع هو ثمنها تاريخياً، كل ذلك ساهم في تصعيد الموقف وخلق مخاوف من أن موسكو ستقيم فعلاً أسلحة نووية في بيلاروسيا التي يشنّ منها بوتين هجماته على أوكرانيا.

إنّ إعادة تعريف الصراع في أوكرانيا حول الأسلحة النووية وتوازنات القوى هي فترة جديدة خطيرة للقارة وخارجها، فالصراع الأمريكي الروسي على المنطقة سيخلق المزيد من التدخلات المتبادلة، وذلك كان واضحاً في حديث وزير الخارجية الروسي، لافروف، أمس الثلاثاء، أمام مؤتمر الأمم المتحدة لنزع السلاح في سويسرا، حيث أكد أن الوقت قد حان لعودة الأسلحة النووية الأمريكية من أوروبا إلى بلادها.

لقد تغيّر الكثير منذ الحرب الباردة من حيث الجغرافيا السياسية والشخصيات وحتى اليقين بشأن الاتصالات التي سمحت للإنسانية بتجنب الحرب النووية. كما أنّ الأسلحة تغيرت أيضاً. قد تجعل الصواريخ الجديدة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت الدفاعات المبنية لمواجهة الصواريخ الباليستية تقنيات قديمة عفا عليها الزمن. فالطائرات بدون طيار تعيد تشكيل ساحة المعركة الحديثة، كما تظهر الأحداث في أوكرانيا؛ وكل ذلك يطرح سؤالاً وحيداً، هل سيتمكنون قريباً من نشر أسلحة نووية تكتيكية؟

تطورت الأحداث في أوكرانيا بشكل سريع، حيث تمثّلت إحدى الاستجابات الفورية للأحداث هناك في نشر قوة الرد السريع التابعة لحلف شمال الأطلسي للمرة الأولى في تاريخها. كما تعهدت دول، مثل ألمانيا، بالفعل، بزيادة ميزانيتها الدفاعية بشكل كبير، بجانب تصريحات، بالترحيب لتشكيل لواء دولي أوروبي ضد الزحف الروسي في أوكرانيا.

إن سباق التسلّح العالمي حول التقنيات النووية الجديدة أدى إلى تصعيد التوترات فيما يتعلق باستخدامها العرضي الذي يظل احتمالاً حقيقياً للعقد القادم. وبالتالي سوف يلهم هذا إعادة الانخراط حول الآفاق الثقافية والمجتمعية لـ"هرمجدون" النووية. في الثمانينيات من القرن الماضي، حيث سيطرت الكتب والأفلام حول هذا الاحتمال على السوق. فيما نمت الحركة المناهضة للأسلحة النووية. فهي ما تزال معنا اليوم وستحتاج إلى وقت وجيل جديد لتأخذها في سياق لحظة ما بعد أوكرانيا.

نحن الجيل الذي لن ينسى أن "الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية" قد فازت بجائزة نوبل للسلام عام 2017، وذلك لعملها في لفت الانتباه إلى العواقب الإنسانية الكارثية لأي استخدام للأسلحة النووية ولجهودها الرائدة لتحقيق حظر قائم على معاهدة لمثل هذه الأسلحة.

ربما يتغير التحوّل العالمي في المناقشات الجيوسياسية، وذلك بسبب أحداث أوكرانيا الجارية، فجأة انتقلنا نحن غير المشاركين في هذه الحرب جغرافياً، وبطريقة إعلامية صاخبة ومتخبطة، من رؤية الأسلحة النووية وخطورة استخدامها كآثار من الماضي، إلى كونها قضية حقيقية وحيوية للحاضر تتصارع عليها القوى الدولية ويدفع الشعوب ثمن ذلك، كما يفعلها الأوكرانيون، وفعلها قبل ذلك الأفغان والسوريون والعراقيون. ومن هنا إن إعادة تقويم العلاقة بين الدول النووية الحالية، واحتمال وجود دول جديدة تتطلع إلى الحصول على هذه الأسلحة بتكلفة منخفضة وسهولة في التصنيع يضعنا أمام سيناريوهات جديدة ستغير الجغرافيا السياسية في المنطقة.

‎ومن كل ذلك نستنتج، أننا أمام حقبة نووية جديدة، يجب أن نتدرب من جديد على مهارات وتقنيات تحدد مدى قدرتنا على مواجهة هذا البلاء الدولي النووي، ودفعه إلى الوراء. وألا ننسى أن سيطرة القوات الروسية على محطة "تشيرنوبل" التي شهدت عام 1986 أسوأ حادث نووي في التاريخ، يعد من أخطر التهديدات في أوروبا اليوم، فذلك الخطر البيئي البشري الطبيعي سيظل مستمراً في حال استمرار سيطرة القوات الروسية عليها، وما لم تكبح أوروبا الزحف الروسي والإيراني المتزامن في المنطقة ككل، كما على أوروبا أن تعي تماماً، بالتزامن مع ذلك، مدى الثمن الذي يدفعه العالم الثالث تجاه المطامع الغربية والروسية والصينية والأمريكية، عليهم أن يبرهنوا لهذه الدول أنه لم تعد هناك احتلالات جديدة، وأن الحقوق متساوية للجميع في كل العالم.

ليفانت - شيار خليل

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!